يظل الطبُّ من أنبل المهن، والطَّبيب يحظى بمكانة ترفعه إلى مستوى أهميَّة الصحَّة، ومكانة العافية، فهو -بعد الله- مَن يدعم بقاءَها، وينعش في النفوس آمالها، ويظلُّ مرفأً آمنًا، حال هجوم نقيضها، إلَّا أنَّ الطبَّ كما هو شأن كل المهن لم يسلم من وجود الدُّخلاء على سمو رسالته، وعظيم مكانته، فأصبح وجود مثل أولئك الأطباء عبئًا على كاهل الطبِّ، وشؤمًا على نقاء أجوائه، ومبعث ألم في موضع الأمل، والبحث عن الصحَّة.
ومن أولئك: ذلك الطبيب (جلف) التعامل، (غشيم) المعرفة، يلتحف رداءً أبيضَ على داخل (أسود)، همُّه كيف (يخلِّص) دوامه، إنْ شخَّص لم يحسن، وإنْ وصف الدَّواء أضرَّ، ولم ينفع، فكم من مريض على يديه تناول دواءً ليس لما يشكو منه، فعاد عليه بآثار أضافت عليه أوجاعًا، وألمًا، والمُتَّهم (خطأ في التَّشخيص)، هذا إنْ لم يدفع به ذلك إلى حيث وداعيَّة الحياة.
وفي زاوية أُخْرى من زوايا هذه العيِّنة من الأطباء، يجلس طبيبٌ آخرُ دخل الطبَّ من باب البحث عن (الثَّراء)، فأصبح همُّه (جيوب) مرضاه، وما يُفضي إلى (جيبه) من عمولة إجراءات كشف، وأشعة، وتحاليل... إلخ، لا داعي لها، يطلبها، وهو يعلم أنَّها ليست أكثر من جسر يعبر من خلاله إلى مراده، والضحيَّة مريض ذهب يبحث عن الصحَّة، فأضاع في سبيل ذلك ماله.
وطبيب آخر تحت ذريعة (الضَّغط)، الذي يعيشه في عيادته، لا يمنح المريض الذي تكبَّد عناء الوصول إليه الوقت الكافي، ليسمع منه، ويفهم شكواه، ليتسنَّى له تشخيص حالته، بل يكتفي بالنظر إلى عدد قائمة الانتظار، وهمُّه أنْ (يخْلُص)، والنتيجة مرضى يدورُون معه في حلقة مفرغة من مواعيد لا تنتهي، وعناء لا ينقضي، وصحة (مغيَّبة)، لوجود طبيب لم يتوقَّف للحظة عند حال مريض، حتَّى يصل إليه دفع من صحته، وماله، ومع ذلك خرج بحال أسوأ من حاله الذي دخل به.
وبين هذا، وذاك يُطلُّ من شرفة: (دكتور يجيب المرض) ذلك الذي يسند ظهره على (التَّأمين) دون أنْ يعبأ بخطأ طبي يرتكبه، وقد يكلِّف المريض حياته، أو يُسلمه إلى عاهةٍ مستديمةٍ!!
إلى هنا، وإنَّني على ثقة من أنَّ لديك -عزيزي القارئ- نماذجَ أُخْرى من نماذج أطباء (أُبتلي) بهم الطب، تلك المهنة (السَّامية)، التي طالها الغثُّ، والسَّمينُ إلَّا أنَّ ضريبة الغثِّ فيها كبيرة، وهو ما يعني: إنْ لم تكن (إنسانيَّة)، فإيَّاك ثمَّ إيَّاك أنْ تكون طبيبًا.. وعلمِي، وسلامتكُم.