علم الأسطح من العلوم الغنية جدًا التي تفاجئنا بخبايا لا نتوقعها.. يطلق عليه اسم «تراي بولوجي»، وإحدى مجالاته المهمة هي اللواصق بأشكالها وأنواعها المختلفة.. وأول ما سيخطر على بالنا هو الصمغ، وهو من النعم الجميلة التي غيرت حياتنا بأبعادها المختلفة، سواء كانت على المستوى الفردي في مكاتبنا ومدارسنا، أو في قطاع التشييد، أو في الصناعات المختلفة.. وفضلا التأمل في روائع أنواع الصمغ المختلفة.. من توفرها، وتكلفتها المنخفضة، وقوتها، وسهولة نقلها، وتخزينها.. ولكن من أحدث تطبيقات التلصيق لا علاقة لها بالصمغ الذي نعرفه، فالطلاء مثلاً يعتمد على تقنية اللصق سواء كان على سيارتك، أو منزلك، أو آلاف الأماكن الأخرى سواء كانت للزينة، أو للحماية من الصدأ، أو التأكل، أو الأكسدة. والعديد من تطبيقات اللصق تتم في مجالات قد لا نتوقعها ومنها في عالم الطب، وبالذات في ما يتعلق بالتصاق الخلايا المختلفة ببعضها أو بالأجسام الأخرى بداخل الكائنات الحية. وللعلم ففي عالم الدواء تلعب خصائص الأسطح بعضا من أقوى الأدوار في فعالية العلاج، فهي تهيئها للصق والاستقبال للمقاومة وإبعاد الضرر، أو في بعض الأحيان تعطل الاستقبال لتفادي المشاكل من الالتصاق الخبيث.. ولكن من المفاجآت أن بعض الأبطال في مجال تقنيات لواصق المستقبل هم «الوزغ» أعزكم الله.. تنصب مجموعات هائلة من الجهود البحثية حاليا على استكشاف أسرار القدرات الهائلة لهذه الزواحف المقززة للالتصاق بالأسطح المختلفة. وللعلم فإن الاعتقادات السابقة أنها تنتج بعض المواد اللاصقة التي تمكنها من التسلق السريع والسير على الأسطح المختلفة غير صحيحة.. أسرار التصاق هذه الزواحف لا تزال محيرة وتدور حول قوى سخرها لها الله عز وجل على مستوى الجزئيات على أطرافها الدقيقة لتتمتع بقوتها الجبارة.. يعني «الوزغ» هو حاليا من مفاتيح تقنيات اللصق المستقبلية.
ولو أردت أن تنتقل إلى ما هو أغرب من كل هذا، فستجده في عالم الطيران، فهنا ستجد تحديات الحركة عبر الهواء.. لا نتخيل أن هناك لزوجة للهواء منطقيا، مثلما هو الحال للزوجة الموائع مثل العسل، أو الزيت، أو حتى الماء، ولكن الواقع هو أن لزوجة الهواء هي إحدى الخصائص التي تجعل الحركة الجوية حقيقة مذهلة؛ سواء كانت للطائرات، أو الطيور، أو الحشرات، أو حتى للجراثيم والغبار، وكلها تعتمد على استخدام نعمة التيارات الهوائية.. وإحدى أسرار التصاق الهواء ستجده في ظاهرة «كوانده» التي اكتشفها العالم الروماني «هنري كوانده» عام 1910.. وتستخدم تطبيقات الظاهرة في تصميم الطائرات، وتستخدم أيضا في تصاميم الكور المختلفة لأنها تؤثر على طيرانها بطرق مختلفة، ولكنها تستخدم أيضا في تقنيات المكيفات، وفي العديد من المضخات، واستخدامات أخرى بعيدة عن عالم الطيران ومن أجملها في عالم الطب حيث تستخدم الظاهرة في تقنيات تشخيص ارتجاع تيارات الدم بداخل القلب.. قمة الإبداع.
* أمنيــــة:
توجد تطبيقات أخرى عديدة لعالم اللصق، ومنها في ثقافات الأمم، فنشر الأفكار يحتاج إلى العديد من التجهيزات ومنها «لصق» عناصرها بطرق ترسخ مفاهيمها، ومن أساسيات تلك الطرق هي التكرار، وتقديم المعلومات بكثافة عالية حتى وإن كانت مغلوطة كما نشهد الآن في الجهود الإعلامية التي تبرر قتل الأبرياء في غزة وبيروت الغاليتين.. أتمنى أن تظهر الحقائق كاملة للعالم، وأن يرحم الله ضحايا الاعتداءات على الإنسانية.. وهو من وراء القصد.