تهاوى نظام الأسد في سوريا بشكل غريب. سترات النجاة التي وضعت أمام بشار الأسد تجاهلها ورفضها. كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، واحداً ممن حاول إنقاذ الأسد بدعوته إلى اجتماع تبحث فيه الخلافات، ومستقبل (الأسد)، والعلاقات، ورفض الأسد ذلك، ووضع شروطاً على هذا اللقاء. وفي النهاية سقط الأسد ونظامه.
خلال الأيام القليلة الماضية كان النظام يترنح، بينما لم يجد أحد من حلفائه مبرراً أو القدرة للمسارعة في دعمه. تخلى نظام الأسد عن (جبهة المساندة) وترك حزب الله، بعد حماس، لمواجهة إسرائيل بدون أن يساعد في التخفيف عن ما يتعرضون له. واكتشفت إيران أنه (حليف)، ولكن لا يمكن الوثوق به. فكانت ومعها ما تبقى من حزب الله، مترددة في إنقاذ نظام الأسد. وأدى كل ذلك إلى انتصار مخطط آخر لسقوط نظام الأسد في سوريا على يد السوريين.
خلطت أحداث سوريا أوراق المنطقة كاملة، وحتى الساعات الأخيرة لسقوط دمشق، كان البعض يتحدث عن الحلول التي يمكن أن تتحقق بالدبلوماسية والمفاوضات في ما بين نظام الأسد والمعارضين. إلا أن المفاجآت توالت والاستسلامات تلاحقت، ودخل المعارضون إلى دمشق، حيث سلّمهم رئيس الوزراء السوري مفاتيح البلد.
كانت مفاجأة أن (المعارضين) الذين استولوا على المدن السورية، واحدة بعد الأخرى، لم يحتاجوا لأن يرهبوا أحداً، ولا أن يقتلوا أو يعتقلوا من وقف في وجههم، بل تحولوا إلى حمامة سلام، وكأنهم جنود تابعون للأمم المتحدة في مهمة لحفظ السلام في سوريا. وتغيرت لغة التهديد والوعيد التي تعودت عليها جماعات في المعارضة إلى رسائل سلام وتودد. وبهذا الشكل والأسلوب واصلوا اندفاعهم (السلمي) حتى دمشق.
من هي (القوى الأجنبية) التي خططت ودفعت بآلاف المقاتلين من جبهات وجماعات متعددة ومختلفة ومتقاتلة لتوحيد جهودها بدون قتال ولا شعارات، وأطلقتها حتى دمشق في مسيرة تكاد أن توصف بالسلمية؟.
ما حدث، ويحدث في سوريا مبهر وجيد ويبشر بمرحلة جديدة تدخلها أوطان الشرق الأوسط. وحمداً لله أنها لم تزد المآسي الدموية التي شهدها السوريون خلال الحكم الطويل لحزب البعث السوري في ظل عائلة الأسد. عانى السوريون الكثير لسنوات طويلة، وعسى أن تكون أحداث اليوم بداية النهاية لذلك، وأن تعود سوريا إلى حضنها العربي، وتنطلق في مسيرة البناء والتنمية.
سوريا وضعها مقلق، حيث يتواجد على أرضها جيوش، رسمية وغير رسمية، وقواعد أجنبية. ابتداءً من التواجد الروسي العسكري، والهيمنة الإيرانية بمليشيات متعددة وعسكر إيرانيين، وتركيا التي تسعى لحماية حدودها، ومحاربة الأكراد بعسكرها ومليشياتها وتحاول الوصول لتسوية سورية تعيد ملايين اللاجئين السوريين لديها إلى أراضيهم. والقاعدة العسكرية الأمريكية في منطقة بترولية تعمل فيها بالتعاون مع أكراد من سوريا.. وغير ذلك من القوى الأجنبية المعروفة وغير المعروفة.
رئيس الوزراء السوري، الذي أعلن على شاشات التلفزيون، أنه باق في بيته حتى يصله (الثوار)، جاءه (الثوار) ورافقوه إلى فندق فاخر وسط دمشق، ليتم التسليم للقادة المنتصرين. سيناريو تقوم بإخراجه أجهزة قوية خططت طويلاً لإنقاذ سوريا، وهي بالفعل عملية إنقاذ؛ حتى وإن كانت تحقق مصالح ما.
من الخطأ السعي الآن لتحليل الوضع المضطرب في سوريا، وعلينا انتظار ما ستكشفه الساعات والأيام القادمة. إلا أن هذه بداية نهاية لعهد مأساوي عاشه السوريون، وبداية جديدة لإطلاق الطاقات التجارية والاقتصادية المعروفة للمواطنين السوريين، ليعيدوا بناء سوريا، وتمكين البلد الاستفادة من كفاءات سورية كبيرة في مجالات الاقتصاد والعلوم والابتكار.
مرحباً بعودة سوريا.