قبل ثلاث سنوات تقريبًا، كتبتُ مقالًا عن المدير الأحمق، في نفس هذه المساحة من صحيفة «المدينة»، وأوضحتُ كيف نكتشف الشَّخص الأحمق، سواء كان موظفًا، أو حتَّى مديرًا، وأيضًا كيف يمكن للإنسان أنْ يتعامل مع هذا النوع من الأشخاص، وخصوصًا إذا كان مضطرًا لهذا التَّعامل.
ولكن اليوم أعودُ لموضوع الأحمق، وإنْ لم يكن مديرًا؛ لنكتشف أنَّ الحماقة ليست مرتبطةً بمكان أو زمان، وليست -أيضًا- متعلِّقةً بمنصب المدير، أو الموظَّف، أو حتَّى في أيِّ منشأة، بل إنَّ الأحمق يظلُّ أحمقَ أينما اتَّجه، ومهما حاول أنْ يُخفي من حماقته؛ إلَّا أنَّ سرعان ما ينكشف للفطناء حماقته التي لا تتغيَّر مهما حاول أنْ يتلوَّن؛ ليحقق مكاسب جديدة كما يظنُّ، ولكنَّها في الحقيقة مكاسب زائفة، يبحث من خلالها عن ضحايا جدد؛ لكي يمارس حماقته عليهم، ومع كل الأسف ينجح بالوصول إليهم.
وإليكم بعض الصِّفات الاسترشاديَّة التي جاءت في كتاب أخبار الحمقى والمغفَّلين، وبعض الصِّفات الأُخْرى التي قد تشاهدها وتتأكَّد منها بشكلٍ فعليٍّ وواقعيٍّ وتتجنَّبها:
- يعتقد أنَّه ضحيَّة لكلِّ ما يقع فيه من مشكلات أو تحدِّيات، وينسى أنَّه المسؤول عن قراراته وتصرُّفاته تجاه حياته، ويحاول أنْ يقنع الجميع بدور الضحيَّة المغلوب على أمرها.
- يفرح الأحمق بالمدح الكاذب، وتأثُّره بتعظيمه، وإنْ كان غير مستحقٍّ لذلك. يقول الأصمعي: إذا أردت أنْ تعرف عقل الرجل في مجلس واحد، فحدِّثه بحديث لا أصل له، فإنْ رأيته أصغى إليه وقبله، فأعلم أنَّه أحمق، وإنْ أنكره فهو عاقل.
- قال بعض الحكماء: من أخلاق الحمق، العَجَلَة، والخفَّة، والجِفاء، والغُرور، والفُجور، والسَّفَه، والجهل والتَّوانِي، والخِيانة، والظُّلم، والضَّياع، والتَّفريط، والغفْلَة، والسُّرور، والخيلاء، والفُجر، والمَكر. إنْ استغنى بطر، وإنْ افتقر قنط، وإنْ فرح أشر، وإنْ قال فحش، وإنْ سُئِلَ بخل، وإنْ سأل ألحَّ، وإنْ قال لم يُحسن، وإنْ قيل له لم يفقه، وإنْ بكى خار.
- وقال البعض: يعرف الأحمق بست خصال، الغضب من غير شيء، والإعطاء في غير حق، والكلام من غير منفعة، والثقة بكل أحد، وإفشاء السر، وأن لا يفرق بين عدوه وصديقه، ويتكلم ما يخطر على قلبه، ويتوهم أنه أعقل الناس.
- علامة الحمق: سُرعة الجَواب، وترك التَّثبت، والإفراط في الضَّحك، وكثرة الالتفات، والوقيعة في الأخيار، والاختلاط بالأشرار. والأحمق إنْ أعرضت عنه أعتم، وإنْ أقبلت عليه اغترَّ، وإنْ حلمت عنه جهل عليك، وإنْ جهلت عليه حلم عليك، وإنْ أحسنت إليه أساءَ إليك، وإنْ أسأت إليه أحسن إليك، وإذا ظلمته أنصفت منه، ويظلمُكَ إذا أنصفتَهُ.
- قال حكيم: يا بني الزم أهل العقل وجالسهم، واجتنب الحمقى، فإنِّي ما جالست أحمقَ فقمتُ، إلَّا وجدت النَّقص في عقلي.
- قال الخليل بن أحمد: النَّاس أربعة، رجل يدري، ويدري أنَّه يدري، فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري، وهو لا يدري أنَّه يدري، فذاك ناسٍ فذكِّرُوه، ورجل لا يدري، وهو يدري أنَّه لا يدري، فذاك طالبٌ فعلِّمُوه، ورجل لا يدري، ولا يدري أنَّه لا يدري، فذاك أحمق فارفضُوه.
- عن عبدالله بن داود الحربي أنَّه قال: كلُّ صديقٍ ليس له عقلٌ فهو أشدُّ عليك، من عدوِّك.
- قال حكيم آخر: ليس كلُّ أحد يحسن يعامل الأحمق، وأنا أحسن أعامله، قيل له كيف؟ قال: أبخسه حتى يطلب الحق بعينه، إذ متى أعطيته حقَّه طلب ما هو أكثر منه.
فمَن ابتُلى بصحبة الأحمق، فليكثر من حمد الله على ما وهب له ممَّا حرمه ذاك، وليكن حريصًا على تجنُّبه وإلَّا كان بداء الحمق مُبتَلَى، ولا تلوم إلَّا نفسك على ذلك.- يقول مسكين الدارمي:
اتَّقِ الأحمقَ أنْ تصحبَهُ
إنَّمَا الأحمقُ كالثَّوبِ الخلِقِ
كلَّمَا رقعتَ منهُ جانبًا
خَرَقَتهُ الرِّيحُ وهنًا فانْخَرق!.