قريبًا سيعود إخواننا السوريُّون -بعد هذه الأفراح الكبيرة- إلى واقعهم، وإلى البحث عن لُقمة عيشهم، وسيؤثِّر الأمن والاقتصاد، وأمورٌ أُخْرى كالعدالةِ على نظرتهم للواقع الجديد، وعلى موقف الأغلبيَّة، ومستقبلًا إمَّا أنْ تنمو تلك الأفراح والآمال، وإمَّا أنْ تذبل شيئًا فشيئًا، فمخاطر الجماعات الإرهابيَّة، ومخاطر بعض الأحزاب المعروفة، قد تطلُّ جميعها بوجهها القبيح، وعمومًا فمخاطر التَّناحر لا زالت قائمةً، وهناك مَن سيغذِّيها من الدَّاخل والخارج.
ومن اللاعبِينَ الرئيسين إسرائيل، وهي لا تريد الاستقرار والقوَّة لسوريا، بل تريدها بلدًا هشًّا ضعيفًا في إمكاناتهِ وعلاقاتهِ وصناعاتهِ، بحيث يسهل التأثير عليه، ويسهل شراء الولاءات فيه، ويمكنها عن طريقه تمرير المخطَّطات الكُبْرَى، ورسم شرق أوسط جديد، يدعم موقعها، فوجود سوريا قويَّة مستقرَّة يفشل مخططاتها لرسم معالم شرق أوسط جديد يناسبها، ولذلك دمَّرت قُدرات الجيش السوري المتبقِّية، وغالبًا ستعمل استخباراتها لرسم خططٍ منها العمل بجدٍّ لإثارة الفتن، عن طريق الاغتيالات، وعن طريق دعم بعض الفصائل، وفي بعض المراحل ستدعم الطَّائفيَّة، وتدعم بعض الجماعات الانفصاليَّة الكرديَّة، وتغذِّي نشوء بعض الجماعات العلويَّة المتشدِّدة، ولكنَّ التفاؤل والرَّجاء في لطف الله، والأمل في حكمة إخواننا السوريِّين، ستكون حائلًا دون ذلك، فالجميع سيخسر إذا أُجِّجت نيران الطَّائفيَّة.
ومن مصلحة القيادة الجديدة، بناء علاقات جيِّدة مع الجوار العربي والإسلامي والأممي، وخاصَّةً مع السعوديَّة أهم جارةٍ عربيَّةٍ محوريَّةٍ، ومن الحنكة والحكمة استماعهم لنصحها، وإفادتهم من حنكة قادتها، فتنسيق الجهود مع السعوديَّة بحكم مكانتها وتأثيرها الإقليمي والدولي، واعتدال سياساتها، ومعرفتها بخفايا التَّوازنات على الصعيد العالمي والإقليمي، سيكون علامة دهاء سياسي، وخطوة نحو التقدُّم والنَّجاح، وسيسهل وصول الدعم الأممي لسوريا ويحميها، والسَّعي للاستقلاليَّة وللمحافظة على مصالح سوريا لا يتعارض مع ذلك، وهناك كثير من الدول الصَّديقة للشَّعب السوري، ونحن في عصر التَّحالفات، والمصالح الكُبْرى للدول تؤثِّر في قراراتها، وهناك لاعبُون دوليُّون كبار لهم مصالح، وهناك -دومًا- مصالح متوافقة ومتقاطعة شرقًا وغربًا. ومن الحقائق الواضحة، وجود اقتصاد متردٍّ، وفساد إداريٍّ، وإرثٍ ثقيلٍ لنظام فاشلٍ فاشيٍّ.
ومن المصلحة التَّشاور مع قوى المعارضة، ومع أهل العلم، وقادة السياسة والفكر؛ لبناء مؤسَّسات الدَّولة، ورسم الخطط لمجلس شورى مؤهل، والتَّشاور لوضع دستور جامع، يراعي سماحة ويُسر الشَّريعة، ويراعي خصوصيَّة بعض الطَّوائف من غير المسلمين في الأحوال الشخصيَّة ونحوها، ولا يهدر المصالح العُليا، ويستفاد فيه من تجارب دولٍ عربيَّةٍ وإسلاميَّةٍ؛ ممَّا سيُسهم في تثبيت دولة المؤسَّسات، وتنمية المقدَّرات والحفاظ عليها، والمصداقيَّة تثبتها الأفعالُ لا الأقوال والعالم يرصد.
وبثُّ روح التَّسامح يثبِّت دعائم الدَّولة، ويُبرِز محاسنَ الإسلامِ، ومكارمَ العُروبة، وهو من الدَّعوة إلى الإسلامِ بالحِكمة، فالعالم يتابع ولن يتأثَّر بمشاهد سحل المجرمِين في الشَّوارع، ولكنَّه يتأثَّر بالتَّطبيق النِّظامي المنضبط للعدالة، وبما يظهر من السَّماحة والاعتدال، وذلك من عوامل حفظ السِّلم الأهليِّ.
والمشوار طويل، والبناء على ما هو موجود وإصلاحه أسهل من البدء من جديد، والشعب عندما يجوع، وتشتد معاناته، قد لا ينتظر طويلًا فيتأثَّر بدعوات التَّغيير التي تعطيه أملًا في غدٍ أفضلَ.. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).