حدثٌ طال انتظاره، وحلمٌ بدأ يظهر في الأفق، حتَّى وإنْ كنتُ وأبناءُ جيلي قد لا نكون على وجه الحياة عندما يتحقَّق على أرض الواقع، ولكنْ ليس المهم أنْ نحضر ذلك الحدث المقبل بعد 10 سنوات، ولكن الأهم أنْ يتحقَّق على أرض الوطن.
نعم، إنَّ استضافة مباريات كأس العالم في المملكة هو حدثٌ عالميٌّ لم أكنْ أتوقَّعه لأسباب كثيرة، وكنتُ أتوقَّع بأنَّه لن يأتي الدور على إقامة هذه المسابقة في المملكة، لكنَّها توقُّعات لم تكن صحيحةً؛ لأنَّ المتغيِّرات كبيرة جدًّا، والتحوُّلات في جميع المجالات متسارعة جدًّا، وأصبحت المملكة بقيادتها الحكيمة تنافس كُبْرى الدُّول الصناعيَّة، وأنَّ حجم الإنفاق الضخم في البنية التحتيَّة يجعل المملكة قادرةً على استضافة ما هو أكبر من كأس العالم، ولها تجارب ناجحة ومتطوِّرة جدًّا في تنظيم المناسبات المماثلة وأكبر منها، ويأتي نجاح المملكة في تنظيم فريضة الحجِّ سنويًّا أكبر مثال على قدرة المملكة على تنظيم مسابقة كأس العالم عام 2034م.
إنجازٌ رائعٌ لوليِّ العهد والقائمِينَ على ملفِّ استضافة بطولة كأس العالم، تحت شعار «معًا ننمُو» في 5 مدن رئيسة هي: الرِّياض وجدَّة والخُبَر وأبهَا ونِيوم، والذِي حصل على أعلى تقييم في تاريخ تنظيم هذا الحدث العالميِّ، وتأييد تاريخي غير مسبوق من أكثر من 140 دولةً، والذي يعكس ثقة المجتمع الدولي بالتأييد الكامل للمملكة، كما ستكون المملكة الدولة الوحيدة التِي ستستضيف البطولة بمفردها بنظامها الجديد بمشارِكة 48 منتخبًا.
10 سنواتٍ مقبلة سيتواصل العمل فيها لصناعة حدثٍ عالميٍّ استثنائيٍّ، ليس فقط في الرِّياضة، وإنَّما في الحضارة والثَّقافة والسِّياحة والتَّرفيه وغيرها، بمشاركة من جميع قطاعات الدَّولة الحكوميَّة والخاصَّة؛ لتقديم كافة إمكانياتها البشريَّة والماديَّة من برامج تدريب، ودراسات، وإستراتيجيَّات، وأبحاث علميَّة، وشراكات محليَّة ودوليَّة.
إن استثمار الحدث من لحظة الإعلان وعلى مدى عشر السنوات المقبلة؛ سيكون له الأثر الكبير في إبراز مكانة ودور المملكة في العالم.
هذا الحدث التَّاريخي سيحقِّق عوائد اقتصاديَّة كبيرة، ففي مرحلة الأعمال التحضيريَّة، سيرتفع الاستثمار في البنية التحتيَّة الرِّياضيَّة، حيث ستحتضنُ 15 ملعبًا مخصصًا لاستضافة المباريات، وكذلك سيرتفع الاستثمار في أماكن التَّدريب والإقامة والفنادق، وتخصيص ما يزيد عن 230 ألف غرفة فندقيَّة تتناسب مع معايير الفيفا في هذه المدن الخمس.
وفي مرحلة الفعالية ستجذب ملايين السياح والزوار، مما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الإنفاق السياحي والإنفاق الاستهلاكي وقطاعات النقل والطيران والقطاعات اللوجستية المساندة، بالإضافة إلى خلق مئات الآلاف من فرص العمل في قطاعات البناء والسياحة والضيافة، ويتوقع أن ترفع استضافة المونديال، الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 1% و2% خلال عام البطولة، كما ستساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تعزز النمو الاقتصادي.
ومن التَّأثيرات طويلة الأمد، أو العوائد ما بعد الفعاليَّة هو التَّرويج للسِّياحة، فنجاح المملكة في تقديم تجربة مميَّزة للزوَّار سيعزِّز من السِّياحة على المدى الطويل، وستصبح المملكة وجهةً سياحيَّةً عالميَّةً.
لقد كان لخبر الاستضافة وقع كبير على جيل الشَّباب، وفرحة كبيرة لكلِّ الأجيال، وقد سألني أحدُ أحفادي قائلًا: ما هو المطلوب منَّا أنْ نعمله لنساند أميرنا الشَّاب وليَّ العهد الأمير محمد بن سلمان؟، قلتُ له: كونُوا صفًّا واحدًا خلف قيادتنا داعمِينَ ومساندِينَ.. حقِّقوا المزيدَ من الإنجازات والإبداعات.. سجِّلوا المزيد من الابتكارات.. نافسُوا علميًّا وعالميًّا.. استعدُّوا للمناسبة بالإنجازات العلميَّة والفكريَّة.
نريدُ فكرًا متطوِّرًا، وثقافةً ننقلها لجميع أبناء العالم. نريدُ أنْ نظهر تراثنا وتاريخنا المشِّرف.
نريدُ مزيدًا من التَّأليف والنَّشر في مختلف المجالات، وبكل اللغات.
نريدُ أنْ نثبت للعالم بأنَّ ديننا الإسلامي دينُ التَّسامح والمحبَّة والأُخوَّة.
نريدُ أنْ نؤكِّدَ بأنَّ العرب كانُوا -ومازالوا- روَّادًا في كلِّ المجالات.
نريدُ أنْ نقولَ للجميع: إنَّنا وطن ليس ككلِّ الأوطان، وطن المقدَّسات، بيت الله، ومسجد رسوله -عليه أفضلُ الصَّلاة والسَّلام، وطن له قيادة ليست مثل قيادات العالم الآخر، سخَّرت جميع إمكاناتها وتفرَّغ قادتها لخدمة الحرمين الشَّريفين، وخدمة شعب هذا الوطن، وخلال تسعين عامًا حوَّلت قيادتنا الصحَّراء إلى عاصمةٍ حضاريَّةٍ تنافسُ عواصمَ العالمِ.