تُولي الدُّول المتقدِّمة في عالم اليوم، فئة الطلبة من ذوي القدرات الخاصَّة (الموهوبين) عنايةً فائقةً، باعتبارهم الشَّريحة الرَّئيسة في المجتمع، التي تخلق للاقتصاد قيمةً كبيرةً، وميزةً تنافسيَّةً، فهي -عادةً- من تنتج الإبداع الفكري، والاكتشافات، والابتكار.
إنَّ الولايات المتحدة الأمريكيَّة منذ سبعينيَّات القرن الماضي، خطت خطوات كبيرة ومتميِّزة في تنويع وإثراء البرامج التعليميَّة الخاصَّة بتربية ورعاية الطُّلاب الموهوبين، لذلك تُعتبر رائدةً في مجال دعم واكتشاف وصقل المواهب في العالم؛ سواء في القوانين والأنظمة التي تحقِّق ذلك الهدف، أو في الدعم المالي والمعنوي، الذي يساعد في تنمية الإبداع الفكري لدي الطَّالب الموهوب.
وعند قراءة النظام التعليمي الأمريكي، نجد أنه وضع نظماً تربوية خاصة لفئة الطلبة الموهوبين، منه: الالتحاق المبكر بمدارس رياض الأطفال، وتخطي بعض الصفوف الدراسية، وهو ما يطلق عليه «الترفيع الاستثنائي»، وكذلك تسريع محتوى المقررات، وأيضاً القبول المبكر في المرحلة المتوسطة، أو الثانوية، أو في الكلية والجامعة، وغيرها من البرامج.
إضافةً لذلك خصَّصت الإدارة الأمريكيَّة مؤسَّسات تعليميَّة خاصَّة للطلبة الموهوبين، مثل مدرسة «توماس جيفرسون» الثَّانويَّة للعلوم، ومدرسة «برونكس» الثَّانويَّة اللتين تُعتبران من أقدم المدارس التي أُنشئت لرعاية الطَّلبة المتفوقين وذوي القدرات الخاصَّة، حيث يقوم العمل في هذه المدارس على فكرة الإثراء التعليمي، وتقديم مناهج تعليميَّة مكثَّفة، خاصَّةً في مجالات العلوم المختلفة، كالفيزياء، والرياضيَّات، والكيمياء، وغيرها.
وكذلك أنشأت الإدارة الأمريكيَّة، عددًا من المراكز التي مهمَّتها الاهتمام بشؤون الطلبة الموهوبين والمتفوِّقين، وذلك بتقديم برامج وأنشطة إثرائيَّة للطُّلاب الموهوبين، خلال الإجازات المدرسيَّة في فصل الصيف، ومن أمثلة هذه المراكز مركز «القرن الحادي والعشرين»، الذي مهمَّته تقديم أنشطة إثرائيَّة للطُّلاب المتفوِّقين في المدارس المتوسطة والثَّانوية، تتمثَّل في ساعات إضافيَّة تدرس فيها مادة الرياضيَّات، تتيح لهم فرصة الانتقال لصفوف دراسيَّة أعلى.
كل هذه الأنشطة التي قامت بها أمريكا في دعم وصقل واكتشاف المواهب، مكَّنت الطَّالب الأمريكي الموهوب من أنْ يتميَّز عن غيره من الطُّلاب في دول العالم، وذلك بما يقدِّمه من أفكار ابتكاريَّة وإبداعيَّة، ومن أشهر هذه المنجزات الإبداعيَّة، إطلاق وكالة الفضاء الأمريكيَّة «ناسا» في شهر يونية من عام 2014م، قمرًا صناعيًّا صغير الحجم، قام ببنائه بالكامل طلاب مدرسة «توماس جيفرسون» الثَّانويَّة للعلوم والتكنولوجيا يحمل الاسم «TJ3Sat».
ولعلَّ هذا يفسِّر -بحق- أنَّ أكثر الأفكار الابتكاريَّة والإبداعيَّة والنظريَّات، والمنتجات، والطرق الجديدة والإنتاج الفكري خلال قرننا الحالي كانت أمريكيَّة بالمجمل، تمامًا مثل ما كان القرن التاسع عشر الميلادي في مجال الابتكار والإبداع قرنًا بريطانيًّا بالكامل، وذلك حين كانت بريطانيا متفوِّقة علميًّا على بقيَّة دول العالم في تلك الفترة الزَّمنيَّة.