كتبتُ مقالاتٍ عن ذكرياتي في طيبة الطيِّبة، المدينة التي وُلدتُ فيها، ونشأتُ في أحضان مسجدها النبويِّ، وترعرعتُ في نواحٍ متعدِّدة من أمكنتها، وتعلَّمتُ في مدارسها: النَّجاح النموذجيَّة، الصِّديق المتوسطة، وأُحد الثَّانوية.. في هذا المقال سيكون الحديث عن باب الشامي، والعمارة التي سقطت في طلعة باب الكومة، حيث بيتنا في نزلة باب الكومة من الجهة الأُخْرى.
تربطني بباب الشامي ذكريات، أذكرُ منها أنَّني كنتُ في المرحلة المتوسطة أركبُ الحافلة التي توصلني إلى متوسطة الصِّديق التي تقف عند مبنى مؤسَّسة النقد في باب الشامي؛ لأنَّ المدرسة بعيدة في الحرَّة الشرقيَّة، ويحيط بها من جميع الجهات صخور الحرَّة السوداء، بعيدًا من المساكن، كما يربطني بباب الشامي مدرسة النَّجاح النموذجيَّة الابتدائيَّة التي تعلَّمتُ فيها، وهي تُعتبر لصيقة مسجد السَّبق في العطن، وبالقرب منها في باب الشامي مستشفى الملك، الذي كان مرجعًا طبيًّا كبيرًا لأهل المدينة في ذلك الزمان، كما أنَّه -أي باب الشامي- المعبر والطَّريق إلى شارع سيدنا حمزة (سيد الشهداء)، حيث به ثانوية أُحد التي درستُ فيها المرحلة الثَّانوية، كما على الشارع العام عند بداية باب الشامي يقع مستشفى الولادة، الذي أُسِّس كمبنَى من أيَّام الدولة العثمانيَّة، وكنتُ أزورُ فيه بعضًا من معارفي وأنا صغير.
ومما أتذكره أن هناك عمارة تقع في بداية باب الشامي على واجهتين، إحدى الواجهتين شرقية على شارع المناخة، والواجهة الأخرى شمالية تطل على مستشفى الولادة في بداية باب الشامي، والتي كان خلفها جهة الغرب سوق الفحم، واشتهرت هذه العمارة؛ بسبب سقوطها فجأة في ليلة من ليالي شهر شعبان لعام ١٣٨٤هـ، فكانت حديث الأهالي عن من مات فيها؟ وما سبب سقوطها؟ وذُكرتْ في ذلك روايات متعدِّدة، بعضها موثَّق، وبعضها ممَّا زِيد فيه القول، وأشهر الأقوال في سبب سقوطها أنَّ المقاول بنى أساسها على ما تبقى من سراديب قلعة باب الشامي، وممَّا أتذكَّره جيدًا مشاركة أخي في الرضاعة صالح المانع في الإنقاذ، من خلال استخدام المعدَّات الكبيرة الحجم «دركتر»، حيث كان هو السعودي الوحيد الذي يجيد قيادة هذا النَّوع من المعدَّات، وبذل في ذلك -رحمه الله- جهدًا كبيرًا، وتداول أهل المدينة روايات متعدِّدة عن مَن نَجَا من الموت، خاصَّةً الحارس. وكيف نجا بأعجوبة، ومَن أدركه الموتُ فيها خاصَّةً الطبيب ومريضه في عيادته.
أعودُ لباب الشامي لأقول: إنَّه كان النَّاصية الشماليَّة للمدينة المنوَّرة، حيث هو جهة الشام، ولذلك أطلق عليه باب الشامي. ولا شكَّ أنَّ حارة العطن هي أحد امتدادات باب الشامي، وقريبة منه، كما أنَّ بدايته هي عند نهاية المناخة التي هي وسط المدينة المنوَّرة، وقد كتبَ عنها صديقي الدكتور عاصم حمدان -رحمه الله تعالى- كتابًا بعنوان «المناخة».