تركيا يمكن أن تكون الداء وكذلك الدواء بالنسبة لسوريا الجديدة. إذ أنها يمكن أن تواصل إبقاء الجزء الشرقي من البلاد منطقة حرب وعدم استقرار في معركتها مع أكراد سوريا، كما يمكنها في نفس الوقت تهدئة الوضع الملتهب هناك ومواصلة دعمها «هيئة تحرير الشام» التي تحكم سوريا الآن، ومساعدتها على استقرار الوضع السوري.
من الواضح أن أحمد الشرع (أبومحمد الجولاني) يحظى بدعم واسع من أطراف عديدة وعلى رأسها أنقرة. إذ أنه ورفاقه في «هيئة تحرير الشام» أدار النظام الذي أقاموه في إدلب تحت مسمى (حكومة الإنقاذ السورية) بكفاءة مشهودة؛ حين تركوا قوى مدنية وتكنوقراط يديرون شؤون تلك الحكومة. وأقاموا عدالة مقبولة باحترام النساء والأقليات في المنطقة التي حكموها، وذلك منذ سبع سنوات حتى دخولهم دمشق. وراقب الأمريكيون والأوروبيون كيف كانت مجموعة «هيئة تحرير الشام» تدير شؤون الملايين من السوريين الذين كانت تحكمهم، وأعجبوا بذلك. وهو الأمر الذي يدفع هؤلاء بالتعاون مع تركيا لبحث سبل مساعدة «الهيئة» على نشر الاستقرار على الساحة السورية.
يتمتع أحمد الشرع (أبومحمد الجولاني) بشخصية قوية جذابة وكسب احترام الناس في المناطق التي حكمها، ويتصف بالذكاء، ويقول من يوثقوا له أنه رجل صادق. وبدأ نشاطه كمقاتل (أجنبي) في حرب العراق في صفوف تنظيم القاعدة بالعراق بقيادة أبومصعب الزرقاوي، وبعد أن اعتقل وأفرج عنه تم اختياره (أميراً) لقطاع (نينوي) غرب العراق، مع الدولة الإسلامية (التي تحولت إلى داعش). وأقنع الجولاني قائده أبوبكر البغدادي بإقامة تنظيم جديد في سوريا، حيث أنشأ (جبهة النصرة)، عند قيام الثورة السورية، وأعلن الولاء لزعيم القاعدة الظواهري عام 2013، وتخلى عن علاقته بالبغدادي. وعام 2016 فك الجولاني ارتباطه بالظواهري والقاعدة، وأعلن بعدها بحوالي عام إنشاء «هيئة تحرير الشام»، وأقام حكماً ذاتياً محلياً في (إدلب) تحت اسم «حكومة الإنقاذ الوطني». ولم يسمح للقاعدة أو داعش بالعمل في المناطق التي يسيطر ورفاقه عليها، وقاتلهما، في الوقت الذي احتفظ بهويته الإسلامية غير المتطرفة.
لاحظ الكثيرون أن الجولاني سعى خلال السنين الماضية على تعديل نفسه من متشدد شديد (داعش والقاعدة) إلى إسلامي معتدل (هيئة تحرير الشام). وهناك تساؤلات حول كيف يكون الشكل الأخير الذي سيرسي عليه أحمد الشرع ورفاقه في حكمهم لبلادهم. وليس صحيحاً، كما يبدو، أنه سيعود ليكون داعشياً متشدداً.. بل إنه تعهد بعدم التمييز أو التفرقة واحترام المرأة. وهو شيء طبقه في منطقة (حكومة الإنقاذ السورية) لعدة سنوات.
هناك أسئلة مثارة حول التدخلات الأجنبية وتأثيرها على مسار الإدارة الجديدة للبلاد، خاصة من إسرائيل التي أصابها الغرور مؤخراً، واندفعت تضرب وتدمر الطائرات والسفن الحربية السورية، بدون إعلان حالة الحرب، واحتلت أجزاء جديدة من الأراضي السورية، بينما ينشغل السوريون بسقوط نظام الأسد وإقامة نظام وطني مكانه.
الدعم العربي للإدارة السورية الجديدة مطلوب لتحقيق الاستقرار، والسير نحو البناء والتعمير، والابتعاد عن الشعارات التي تؤدي إلى الانقسام. وهو أمر سيكون صعباً المحافظة عليه في ظل العدوان الإسرائيلي، إلى جانب عدم قبول بعض التنظيمات المتطرفة بتحقيق الاستقرار بدون مشاركتها بشروط تهدد استقرار البلاد.
دعواتكم لسوريا.