يعتبر المجتمع أنَّ مناسبات الزَّواج فرصةً ذهبيَّةً أنْ يرى النَّاسُ بعضهم بعضًا؛ لأنَّ زيارات ولقاءات النَّاس أصبحت قليلةً ومتباعدةً، وبناءً عليه، فإنَّ الوقت المحدَّد بساعتين، أو ثلاث في حفلات الزَّواج مقصدٌ نفسيٌّ واجتماعيٌّ تتحقَّق عنه فائدةُ النِّقاش والحِوار، وهُو حقُّ الضُّيوف والمدعوِّين، لكنْ -للأسف- هناك منغِّص ومزعج يطلُّ بعنقهِ ما أنْ تبدأ اللَّحظات الأُولَى من اجتماع الضُّيوف، ألَا وهُو أصواتُ الفرق الصاخبةِ والمزعجةِ، وقد حضرتُ العديدَ من حفلات الزَّواج، خلال هذا الشهر، فوجدتُ أنَّ هناك تقليدًا اجتماعيًّا أصبح يصعبُ التخلُّص منه، وهو حضور الفرق الشعبيَّة، أو الموسيقيَّة، أو التَّسجيلات الغنائيَّة، قد يكون الصوتُ جميلًا، واللَّحنُ مقبولًا، والأداءُ رائعًا، والكلامُ معسولًا، إلَّا أنَّ ذلك في حفلات الزَّواج من «المُزعجات»، حيث يعكِّر صفو الحضور، ويعطِّل حديث النَّاس، ويأخذ وقت الزَّواج من أوَّلهِ إلى آخرِهِ، دونَ أنْ تكونَ هناك فائدةٌ لمثل هذا اللقاء الاجتماعيِّ، فهناك طلبٌ مُلحٌّ من الحضورِ والمعازيم تقرأه على وجوه النَّاس بضرورة تنظيم حفلات الزَّواج؛ بوضع وقتٍ محدَّدٍ ومناسبٍ للفرقِ الشعبيَّة، أو الموسيقيَّة، أو الأصوات والأغاني المسجَّلة.
إنَّ الأفراحَ مناسباتٌ يلتقي فيها أفرادُ المجتمع من أقارب، وجيران، وزملاء عمل قُدامى، وأصحاب لم يلتقُوا من فترات بعيدةٍ، ففرصة أنْ تكون هذه اللقاءاتُ اجتماعيَّةً. لقد تناقشتُ مع بعض الزُّملاء والأصدقاء في إحدى مناسبات الأسبوع الماضي، والكلُّ في الحقيقة يبصمُ أنَّ مثل هذه الفرق -بكلِّ ألوانها وأشكالها- تتحوَّل إلى مُزعجات ليس فقطْ على اجتماع النَّاس، إنَّما على آذانِهِم، وقد كتبتُ مقالًا سابقًا بعنوان: (الأفراح والتلوُّث السَّمعي)، وضَّحتُ فيه الآثار المرضيَّة السَّيِّئة التي تسبِّبها الأصواتُ العالية على الأُذن، وأنَّ كثيرًا من النَّاس يتأذُّونَ طبيًّا من صخب تلك السمَّاعات والأصوات المدوِّية في الآذان؛ لدرجة أنَّ لها آثارًا سلبيَّةً على طبلة الأُذن. إنَّ أمرًا كهذا لا يحتاج إلى منعه، إنَّما ضبطه بوقتٍ محدَّدٍ لا يزيد عن نصف ساعة فقطْ، بحيث لا تطول فترته.
وقد أعجبني في إحدى المناسبات، عندما شعر صاحب الدَّعوة أنَّ النَّاس متضايقةٌ، أوقف الفرقة بعد نصف ساعة، ثمَّ خيَّرهم بالبقاء إنْ أرادوا إلى بعد العَشَاء ويستمرُّوا في الغناء.
اقترح البعض أن يكون هناك توجيه إلى أصحاب القاعات، وأماكن إقامة حفلات الزواج، بالزامهم ألا يزيد وقت الفرق الشعبية والموسيقية عن نصف ساعة، خلال وجود الضيوف؛ لأن ذلك أصبح حقاً من حقوق الضيوف، ويمكن أن يمد الوقت إلى ما شاء الله بعد العشاء؛ حتى يتسنى للناس الاستمتاع بحفلات الزواج اجتماعياً، والحفاظ على أنفسهم، وآذانهم من التلوث السمعي بيولوجياً.