في الوقت الذي يُفترض فيه أنْ يتمتَّع المتقاعدون عن العمل بقسط وافر من الرَّاحة الدَّائمة حال البدء في تطبيق نظام التقاعد، وسريان مفعوله، نجد أنَّ واقع فئة منهم خلاف ذلك تمامًا، ففي حين يُفترض أنْ يجد هؤلاء شتَّى أنواع الرَّاحة، وصنوف أدوات الاستجمام المنزلي -على أقل تقدير- حتَّى ينعموا بأشكال عديدة من وسائل التَّرويح عن النَّفس بنهاية الخدمة، بعد سنوات طويلة من العمل المستمر، والالتزام الوظيفي الذي دام لأكثر من ثلاثين عامًا، عبر روتين ونظام صارم في الحضور والانصراف، بعد هذا كله يُصدَم هذا المتقاعد ويُفاجَأ بمتطلَّبات منزليَّة يوميَّة، والتزامات تعسفيَّة، وروتين مختلف وممل، وقواعد وأنظمة قاسية -على حد رأيه-، لا طاقة له للتقيُّد بها، ولا على العمل بمقتضاها، لم يرعَ لها بالًا، ولم يجد لها بأسًا بادئ ذي بدء، عندما كان على رأس العمل، هذه المتطلَّبات والالتزامات الجديدة القاسية -في نظره- تضعه في حالة من الاضطراب النفسي، والانفعالات السَّريعة لأتفه الأسباب. هذا التحوُّل يُعتبر منعطفًا جديدًا في حياة الإنسان، وله أبعادٌ نفسيَّة واجتماعيَّة بالغة، فحين يشعر هذا المتقاعد بالتَّجاهل والعجز والضَّعف والقُصور، إضافة إلى الفراغ الكبير الذي طرأ، فهو يحاول -قدر المستطاع- أنْ يبرهن للآخرين وجوده، ويثبت لهم ذاته بطرق مختلفة.
في المقابل تشتكي الزَّوجات (ربَّات البيوت) من تدخُّل أزواجهنَّ في شؤون مملكتهنَّ الخاصَّة، مع دخول تقاعد الزَّوج حيِّز التَّنفيذ، وهو ما يؤدِّي -دون أدنى شك- إلى نشوب خلافات ونزاعات أُسريَّة يوميَّة متكرِّرة، سببها تطفُّل الزَّوج المتقاعد في كلِّ صغيرة وكبيرة، وحبُّه للاستطلاع مع كلِّ شاردةٍ وواردةٍ، واقتحامه مجالات وشؤون الزَّوجة المنزليَّة، التي لا شأن له بها، وقد ضاقت ذرعًا هي بذلك.
في الحقيقة لابُدَّ هنا من أنْ تتفهَّم الزَّوجة، وأفرادُ العائلة، متغيِّرات هذه المرحلة؛ حتَّى تسير السفينة بسلام، وترسو في أمان.