شاهدتُ إعلانًا تجاريًّا وحماسيًّا في إحدى القنوات، عن بعض المشروبات الغازيَّة المصنوعة محليًّا، وفيه أطفال يلعبون مباراة كرة قدم في وقت العصر، ويتَّفقُون على إنهاء مباراتهم قبل وقت المغرب؛ ليشربُوا المشروب، ويستمتعُوا به أيَّما استمتاع!.
ومن غير ميعاد، ورُبَّ صُدفةٍ خيرٌ مِن ألفِ ميعادٍ، ذكَّرني الإعلانُ بطفولتِي السَّعيدة والشقيَّة في أزقَّة مدينة الطَّائف، حين كُنْتُ ألعبُ مع أصحاب الطفولة كرة القدم في وقت العصر، وأهلُ الحجاز يُؤنِّثُون كلمات الأوقات، فيقولُون عن وقت العصر (عصريَّة) وهكذا، ولهذَا سأؤنِّث كلَّ وقتٍ فيما تبقَّى من المقال!.
وكانت الأزقَّة بين بيوت الحيِّ الذي أسكنه ضيِّقةً وتُرابيَّةً، فأحتلها مع الرِّفاق رغم اعتراض ربَّات بيوت الجيران؛ بسبب الإزعاج، لكنَّهنَّ لم يستطعنَ إيقافنَا بسبب وجود رجالهنِّ في الأسواق؛ لشراء المقاضي في الزنابيل التي هي أشبه بالحقائب الجلديَّة هذه الأيَّام!.
ويتوتَّر الوضعُ بيننا وبينهنَّ، كما هو متوتِّر حاليًّا في الشرق الأوسط، إذا قذفْنا الكرة بالخطأ فوق أسطح بيوتهنَّ، ودقَّيْنا الجرسَ عليهنَّ طالبِينَ منهنَّ إعادة الكرة إلينا، وقائلِين إنَّ الكرة قد (تسطَّحت) عندهنَّ، وبعضهنَّ كُنَّ لئيماتٍ فيحتفظْنَ بها، أو يُمَزِّقْنَهَا بالسكِّين، أو يُخْلِينَها من الهواء (يُنَسِّمْنَهَا حسب لهجة أهل الحجاز)؛ كي لا نستطيع الاستمرار في اللعب، وبعضهنَّ يشتكيننا لأُمَّهاتنا (يرحمهنَّ اللهُ) بالهواتف الثابتة، حيث لم يكن الهاتف الجوَّال مُخترَعًا، فلا تمرُّ دقائق إلَّا ويأتي المراسيل إلينا من كلِّ حدبٍ وصوْبٍ يستدعوننا بأسماء أُمَّهاتنا للعودة إلى البيوت فورًا، وإلَّا فالويل والثبور لنا فرْدًا فرْدًا عندما يعود الآباء الأشدَّاء من الأسواق!.
ومع هكذا جوٍّ إرهابيٍّ وغير وُدِّيٍّ، وعندما تكون نتيجة المباراة بين الرِّفاق هي التعادل، نصيح لبعضنا بعضًا بأنَّ قُول المغربيَّة بعشرةٍ، فمن يسجِّل هدفًا عند رفع أذان المغرب تنتهي المُباراة، وتُضافُ له ١٠ أهداف؛ لينعم بالانتصار المُبين!.
تاريخ.. تاريخ.. يا مُتقاعدين!.
talalmalgashgari@gmail.com
@T_algashgari