في الماضي، كانت المرأةُ بعد الأربعين تُعتبر في ذروة عطائها وحكمتها. هذه المرحلة العُمريَّة كانت تمثِّل قمَّة النُّضج، حيث تُصبح المرأةُ أكثرَ وعيًا بنفسها وبمن حولها، وأكثرَ قدرةً على تقديم المشورة، وإحداث تأثير إيجابي في المجتمع. لكنْ مع تغيُّر الزَّمن، وسيطرة القوالب السطحيَّة، بدأت هذه النظرة تتراجع، وحلَّ محلها تركيز على مظهر المرأة وشبابها فقط، متجاهلين القيمة الحقيقيَّة التي تأتي مع النُّضج والتَّجربة.
الحياةُ لا تُقاس بالأعمار، لكنَّ بعض المجتمعات تختزل دور المرأة في قدرتها البيولوجيَّة فقط، معتبرةً سنوات الإنجاب معيارًا وحيدًا لعطائها. هذا التصوُّر الخاطئ يتجلَّى في استخدام مصطلحات مثل "سن اليأس"، التي تحمل إيحاءات سلبيَّة، تُقلِّل من قيمة هذه المرحلة. في الواقع، الأربعين وما بعدها ليست نهاية كما يعتقد البعض، بل هي بداية جديدة مليئة بالفُرص. في هذه المرحلة، تتحرَّر المرأة من كثير من الضغوط، وتُعيد اكتشاف ذاتها وطموحاتها.
مصطلح "سن اليأس" بحاجة إلى إعادة نظر. هذه المرحلة ليست "يأسًا" كما يُوحي المصطلح، بل هي "مرحلة التألُّق"، حيث تمتلك المرأة الخبرة والنُّضج، وتُحقِّق إنجازات عظيمة بفضل تراكم تجاربها. النساء في هذا العمر يتقدمنَ بثقة، ويدخلنَ في علاقات أكثر استقرارًا وعمقًا، ويبرعنَ في تحقيق أهدافهنَّ المهنيَّة والشخصيَّة.
المرأة بعد الأربعين ليست مجرَّد رقم، بل هي تجربة غنيَّة، تتوِّجها الحكمة والقوَّة التي اكتسبتها عبر سنوات من العمل والمثابرة. من المهم أنْ نكسر هذه الصور النمطيَّة السلبيَّة التي تُقلِّل من شأن المرأة بعد الأربعين، وندرك أنَّ العمر ليس مقياسًا لقيمة الإنسان. قيمته تكمن في عطائه وتأثيره على المجتمع.
الأربعين ليست نهاية الطَّريق، بل بداية لفصل جديد مليء بالقوَّة والإبداع.
لنا لقاء في الجزء الثَّاني، حيث سنشارك قصصًا لنساء تجاوزنَ الأربعين، وأثبتنَ أنَّ العمرَ لا يحدُّ من الإنجازِ.