منذُ تأسيس المملكة، ومعظم أبناء مناطق المملكة كانت وجهتهم للعمل وطلب الرزق متَّجهة إلى العاصمة الرياض، واستقرَّ فيها بعض منهم؛ طلبًا للعلم أو العمل كموظَّفين في وظائف الدَّولة، أو في القطاع الخاص، ومع مرور الزَّمن، ترقَّى العديد منهم في الوظيفة، فأصبح منهم الوزراء، ونواب الوزراء، ووكلاء الوزارات، وتقلَّد الكثير منهم وظائف عالية في السلك الدبلوماسي؛ سفراء، ووزراء مفوَّضين، وفي السلك العسكري وصل بعضهم لرتبة فريق أوَّل، ولواء ركن، وغيرها من الرُّتب العُليا، واتَّجه البعض الآخر للعمل التِّجاري، فأصبحُوا من كبار التجَّار والمقاولين، وتخرَّج البعضُ الآخر في جامعة الملك سعود، وأصبحُوا دكاترة، وعمداء، ورؤساء جامعات.
والحقيقة، لقد استوعبت العاصمة الرياض جميع أبناء الوطن، من جميع أنحاء المملكة، حتَّى أصبح سكَّان الرِّياض الأصليُّون هُم الأقليَّة عددًا، ونسبتهم للمواطنِين المهاجرِين من بقيَّة أنحاء الوطن متدنِّية جدًّا، فعلًا أصبحت الرِّياض هي مدينة لكلِّ أبناء الوطن، وشكرًا لنجد وسكَّانها لاستيعابهم أبناء وبنات الوطن من خارج مدينة الرِّياض بكلِّ ترحيبٍ ونفسٍ طيِّبة، وخلال السنوات السبع الماضية؛ تغيَّرت تركيبة المهاجرِينَ طلبًا للعمل في العاصمة الرِّياض، وتحوَّلت من جنس الرِّجال فقط، إلى جنس الإناث، ومع التحوُّل الحضاري والثقافي العظيم، ومع سياسة تمكين المرأة، أصبحت بنات الوطن لَهُنَّ حريَّة اختيار المكان المناسب في أيِّ منطقة في المملكة، وعلى وجه الخصوص في العاصمة الرِّياض، حيث فرص العمل الجذابة وذات المقابل المادي الأكبر والأكثر جاذبيَّة، وقد كان لبنات الوطن الرَّغبة الكبيرة في الانتقال للعمل بمفردهم، أو مع ذويهم، أو أزواجهم في الرِّياض.
ما دفعني لكتابة هذه المقالة، هو ما لمسته خلال لقاءاتي مع شريحة كبيرة من بنات منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ الذين يعملون في الرياض قائلين لي: «إننا نشعر بالأمان الكامل في معيشتنا فرادى في العاصمة الرياض، ونشعر بالعدالة في توزيع الوظائف بدون تفرقة عنصرية أو مناطقية، وتفصل بيننا الكفاءة والتميُّز، ونشعر أننا وسط أهلنا عندما نتعامل مع بقية زملائنا من أنحاء الوطن، لقد شعرنا بأنَّنا بنات وطن واحد، نعمل لهدفٍ واحدٍ، يجمعنا حبُّ الوطن والولاء لقيادتنا، نتسابق ونتنافس للتميُّز في الأداء، ونفخر بأنَّنا نشارك اليوم في جميع الأعمال، ولم يحجر علينا عمل شريف نستطيع أنْ نخدم فيه».
نعم، لقد كنت فخورا بهذه المشاعر من بنات الوطن، وشكرا لقيادة المملكة التي مكنت بنات الوطن من العمل في كل مكان، وشكرا لنظام مكافحة التحرش الذي حفظ لبناتنا وزوجاتنا وأخواتنا وجميع النساء «مواطنات ومقيمات» حقوقهن، وحفظهن من أي تحرش يمس بشخصية المرأة.
لقد هاجر الأوَّلُون من أبناء الوطن إلى الرِّياض منذ تأسيس المملكة، في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراهُ-، وأقاموا جلَّ عمرهم في الرِّياض، وماتوا ودُفنوا في أرض الرِّياض، وأكمل أبناؤهم مسيرة الإقامة، ولم يعد الأبناء والأحفاد إلى جذورهم في مناطقهم إلَّا في الإجازات، وأصبحُوا اليوم من أهل الرِّياض التي وصل عدد سكَّانها حوالى 10,5 ملايين نسمة.
وصدق شاعر الوطن غازي القصيبي -رحمه الله- عندما قال:
«أجلْ نحنُ الحجازُ ونحنُ نجدُ
هُنَـا مَجـدٌ لنَـا وَهُنـاكَ مَجـدُ
ونحنُ جزيرةُ العُرب افتدَاهَا
وَيفْـدِيــهَا غطـارفـةٌ وأُســدُ
ونحنُ شمالُنَا كِبرٌ أَشَمُّ
وَنَحــنُ جنـوبُنَـا كِبــرٌ أَشـدُّ
ونحنُ عسيرُ مطلبُهَا عَسيرٌ
ودُونَ جِبــالِهَا بَـرقٌ ورعـدُ
ونحنُ الشَّاطئُ الشَّرقِيُّ بَحرٌ
وأَصْــدَافٌ وأسيــافٌ وحَشْدُ»