خلال عقْدَين سابقَيْن من الزَّمان كتبْتُ وطالبْتُ كثيرًا باعتماد الكادر الوظيفيِّ المستقلِّ للمهندسِينَ السعوديِّين، حتَّى وصفني العديدُ منهم -ممَّن أعرفهم، أو لا أعرفهم- بنصير المهندسِينَ، ورشَّحنِي بعضهم لانتخابات هيئة المهندسِينَ!.
ذاتَ مرَّة راجعْتُ إحدَى بلديَّات مكَّة المكرَّمة لأمرٍ شخصيٍّ، فاستضافنِي رئيسُها في مكتبهِ، ثمَّ رجانِي ألَّا يُصيبني اليأسُ من عدم اعتماد الكادر، وأنْ أستمرَّ في الكتابة عنه، والمُطالبة به؛ لعلَّه يُعتمدُ من حيث لا يشعر المهندسُونَ!.
ويشهدُ اللهُ أنَّني لم أهدف لمصلحتي الشخصيَّة وراء الكتابة والمطالبة، رغم أنَّني سأكون أحدَ المستفيدِينَ فيما لو اُعْتُمِدَ الكادر بصفتِي مهندسًا، بل لمصلحة مهنة الهندسة في ربوع الوطن، بما يُطوِّر جودة عمل وحياة المهندسِينَ السعوديِّينَ الذين غُبِنُوا لعقودٍ بدمجهم ضمن الكادر العام لباقي الموظَّفِينَ، إذْ كيف يكون المهندسُ -مثلًا- موظَّفًا مُشرِفًا على تنفيذ مشروعات بقيمة مليارات الريالات في نفس كادر موظَّف إداري آخر مُعيَّنٍ على وظيفةٍ مكتبيَّةٍ عاديَّةٍ مع احترامي الشديد لهذا الأخير؟!.
وبعد أنْ أصابني اليأسُ، ولم أعُدْ أكتبُ وأطالبُ بالكادر، فوجئتُ باعتماده الآن في عهد مهندس الدَّولة السعوديَّة، وليِّ العهدِ ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمَّد بن سلمان، فمرحبًا بالكادر، وألفَ شُكْرٍ وتقديرٍ للمهندس الأوَّل في البلاد.
والكادر قد صِيغَ على هيئة سُلَّم رواتب وظائف هندسيَّة، ومُعتمد من مجلس الوزراء، وسيبدأ العمل به من بداية السنة الجديدة، ويستهدف المهندسِينَ الموظَّفِينَ وِفْق التَّصنيف السعوديِّ المُوحَّد للمهن، ويحملُون شهادة البكالوريوس، وفيه بنود إيجابيَّة للمهندس، والمهندس المُشارك، والمهندس المحترف، والمهندس المستشار، وسوف يُسْهِم في خلْق بيئة عمل جاذبة ومُحفِّزة للكفاءات الهندسيَّة في القطاع الحكومي، ورفع مستوى الممارسة المهنيَّة، وهذا هو جوهر ما كنتُ أكتبُ عنه، وأطالبُ به، قد جعله ربِّي واقعًا، إنَّه قريبٌ مُجيبٌ.
والصِياغة تمَّت في السَّابق، وبُذِلَت عليها جهودٌ جبَّارة من ثُلَّة من المهندسِينَ السعوديِّينَ الأكفاء من كافَّة مناطق المملكة، وعلى مدى عقودٍ، وكلُّهم قد تقاعدُوا حاليًّا، فحبَّذا لو كان لكلِّ المهندسِينَ المتقاعدِينَ الأحياء نصيبٌ من الكادر فيما يخصُّ دخْلهم المالي، فالحقيقة لابُدَّ من قولها، وهي أنَّ الرواتب التقاعديَّة للمهندسِينَ تحتاج لزيادة تُواكب المستجدَّات الاقتصاديَّة، وارتفاعات تكاليف المعيشة، خصوصًا متقاعدِي نظام الخدمة المدنيَّة الأقلّ رواتبَ خلال الوظائف، وبعد التقاعد، وهذا اقتراح ليته يُحقَّق، لتكتمل أفراح مهندسِي أعظم وطن.