هذا المقال عن إحدى العجائب من تاريخ الطيران والفضاء، والعنوان هو اسم أحد أهم المبيدات الحشرية التي كانت من أهم مكونات مقاومة البعوض والذباب وما شابههما أيام زمان.. كان سلاح «أرض جو» يتم رشه من أنبوب.. وكان ذلك الأنبوب هو عبارة عن مضخة يدوية بحجم رغيف خبز صامولي، مثبت على علبة معدنية بحجم علبة «فيمتو» مليئة بالمحلول العطري القاتل.. وكانت القطعتان والمحلول هم مكونات «المدفع» لإطلاق «السم الهاري» ضد الحشرات.. وكان هذا المنتج من أهم الوسائل المستخدمة حول العالم.. ومكونات المحلول كانت عبارة عن خلطة زيت يحتوي على مادة «دي دي تي»، ومكونات أخرى.. وأتذكر كما يتذكر بلايين البشر لحظات الفخر عند قتل أول صرصار باستخدام «الفلت».
وننتقل إلى عالم الطيران، وتحديداً إلى إحدى أهم طائرات التجسس واسمها «يو 2»، أو «سيدة التنين»، لأنها كانت عصبية، وصعبة.. تم تصميمها وتصنيعها في منتصف الخمسينيات الميلادية، وكانت من أهم المشاريع السرية في الولايات المتحدة.. وبالرغم أنها كانت طائرة حربية، فلم تحمل أي مدافع أو صواريخ، أو قنابل، ولكنها كانت مجهزة بأحدث الكاميرات.. وصنعت لوكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» بهدف التجسس من ارتفاعات شاهقة فوق السبعين ألف قدم.. وعلى تلك الارتفاعات الشاهقة، تنخفض درجة الحرارة لمستويات تجعل استخدام وقود المحركات التقليدية في غاية الصعوبة، ولذا، قامت شركة «شل» بتطوير توليفة خاصة من الوقود الذي يسمح بالعمل في تلك البيئة.. وكان الوقود يتمتع بخصائص مهمة، ومنها درجة اشتعال أعلى من وقود النفاثات السائد آنذاك.. والطرفة هنا أن إحدى المحفزات الكيميائية لعمله كانت شبيهة بالمادة الأساسية في محلول «الفلت».. وخلال الخمسينيات، انخفض مخزون الوقود لهذه الطائرات، فسحبت الشركة كميات من «الفلت» من السوق لتعويض النقص، وتم نشر أخبار مضللة عن ازدياد في أعداد الناموس لتغطية السبب الحقيقي.. وكان من أسرار الدولة لفترة طويلة.
وننتقل إلى فترة الاستعداد لحرب رمضان لتحرير الأراضي المصرية الشقيقة من الاحتلال الصهيوني عام 1973م، حيث كانت فترة تحديات كبيرة، ومنها طرد «الخبراء السوفييت» من مصر لعدة أسباب، أهمها: أنشطتهم التي كانت بعيدة عن خدمة الأهداف التي تصب في صالح مصر.. وتزامن ذلك مع مشاكل في سلاسل الإمدادات الحربية المختلفة، ومنها وقود الصواريخ المضادة للطائرات، التي كانت إحدى أهم مكونات التسليح المصري المتطور.. وبتوفيق الله من خلال عمل الفريق الإبداعي بقيادة الدكتور الراحل الفذ محمود يوسف سعادة، قام العلماء المصريون بإيجاد محفزات لصناعة وإعادة تدوير وقود الصواريخ.. وظهرت إحدى التحديات، وهي استيراد كميات كبيرة من المواد المحفزة لصناعة الوقود.. وكان ذلك سيثير الشكوك عن نوايا مصر في تحرير أراضيها، مما سيفقدها ميزة عسكرية مهمة، وبالتالي، فكانت هناك ضرورة لعدم الإفصاح عن موضوع تصنيع وإعادة تصنيع وقود الصواريخ.
الطرفة هنا هي أن تلك المواد كانت شبيهة بالمبيدات الحشرية، مثل الحالة المذكورة لطائرة التجسس أعلاه.. وبالتالي فقامت أجهزة الاستخبارات والإعلام المصرية بنشر أخبار عن انتشار آفات زراعية تتطلب كميات كبيرة من المبيدات الحشرية مثل «الفلت».. ونجحت الجهود بتوفيق الله، وتم تزويد الصواريخ المصرية بالوقود، وكان لها دور في غاية الأهمية في ردع القوات الجوية الإسرائيلية في حرب العاشر من رمضان.
* أمنيــــــة:
من الصعب أن نتخيل العلاقة بين المبيدات الحشرية وعالم الطيران والفضاء، ولكنها موجودة، وموثقة تاريخياً، وهي علاقات علمية، و»مرشوش» عليها بعض التمويه نظراً لسريتها.. يا ترى ما التسليح الذي يختبئ خلف رداء المنتجات التي نستعملها اليوم.. أتمنى أن يعطينا الله خيرها، ويكفينا شرورها.