المدينة المنوَّرة، ثاني أقدس مدينة في الإسلام، تتمتَّع بتاريخ طويل، وحضارة غنيَّة تظهر في معالمها المعماريَّة المميَّزة. من أبرز هذه المعالم الحجر البازلتي، الذي يشهد على التقاء الطبيعة بالتَّاريخ واستخدام الإنسان لموارد بيئته في بناء حضارته.
تقع المدينة المنوَّرة في منطقة معروفة بنشاطها البركاني؛ ممَّا نتج عنه توفُّر كميَّات ضخمة من صخور البازلت السَّوداء، التي تشكَّلت نتيجة التَّبريد السَّريع للصهارة البركانيَّة. تتميَّز هذه الصخور بصلابتها الكبيرة، وقدرتها على مقاومة التَّعرية والظروف البيئيَّة القاسية؛ ممَّا جعلها خيارًا مثاليًّا للبناء في بيئة ذات تحدِّيات طبيعيَّة.
تمكَّن سكَّان المدينة المنوَّرة -عبر العصور- من استغلال هذه الصخور بذكاء، فبنوا منها العديد من المعالم التاريخيَّة، التي لا تزال قائمةً حتَّى اليوم. هذه المعالم أظهرت قدرة السكَّان على التكيُّف مع بيئتهم، واستغلال مواردها في بناء منشآت تجمع بين المتانة والجَمَال. الكثير من المساجد التاريخيَّة في المدينة تتميَّز بجدران من الحجر البازلتي، ما يعكس أهميَّة هذا الحجر في العمارة الإسلاميَّة. جدران هذه المساجد كانت شاهدًا على تراث إسلامي ضارب في عمق التاريخ، حيث شهدت أجيالًا من المُصلِّين الذين عاشوا وتعايشوا مع روح المكان وقدسيَّته.
إلى جانب المساجد، استُخدم الحجر البازلتي أيضًا في بناء الحصون والقلاع؛ لحماية المدينة من الغزوات. فقد أثبتت صلابته وكثافته جدارته في تحمل الصَّدمات، وفي جعله مادةً مثاليَّةً لتشييد التحصينات الدفاعيَّة. محطَّات سكَّة الحجاز في المدينة المنوَّرة، وما حولها على طول مسار سكَّة الحديد، هي مثال آخر على استخدام الحجر البازلتي، حيث كانت هذه المحطَّات، مراكزَ حيويَّةً لحركةِ القطارات التي نقلت الحجَّاج والمسافرِينَ.
الحجر البازلتي في المدينة المنوَّرة لا يمثِّل مجرَّد مادة بناء، بل هو جزءٌ لا يتجزَّأ من تاريخ المدينة، وتراثها الجيولوجيِّ البركانيِّ والمعماريِّ والثقافيِّ.