Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل الذكاء الاصطناعي نعمة أو نقمة؟

م. معتصم بن صافي كتوعة

A A
مشكلة الكثيرين أنَّهم يقفزون إلى الخاتمة، دون تحليل، ودون تفكير، ودون خلفيَّة علميَّة بسيطة، أو حتى سؤال أهل الاختصاص. فهناك فريق أجزم أنَّ الذكاء الاصطناعي نعمة، وسيزيد من تطوُّر البشريَّة، والفريق الآخر أجزم أنَّه نقمة، وسيخطف الوظائف، ويحل محل البشر، والموضوع سجال بينهما، ولا نستطيع تخطئة أو تصويب أيٍّ منهما في الوقت الرَّاهن.

يُقال في الأدب: قد تكون الشِّرير في قصَّة أحدهم، في المقابل قد تكون البطل في قصة أُخْرى.

عندما ابتكر توماس أديسون، المصباح الكهربائي بعد منتصف القرن الثامن عشر، بدأ النَّاس إطلاق اسم نار الشَّيطان على هذا الابتكار؛ لأنَّه شيءٌ جديدٌ ولا يستطيعون استيعابه، فكيف يكون هناك إنارة دون شموع، ودون زيت في القناديل؟ وكيف تصبح الإنارة كشعلة داخل زجاجة تضيء المكان؟ في المقابل لو تم النظر قليلًا بعمق، سنجد أنَّ أوَّل من بدأ بإطلاق اسم نار الشيطان على الكهرباء، هم أصحاب مصانع الزَّيت والشُّموع؛ لأنَّهم يعرفون جيدًا أنَّ المصباح الكهربائي مصدر تهديد لهم ولأعمالهم. فكانت الكهرباء نقمة عليهم، ونعمة للفريق الآخر.

تعدَّدت التَّعاريف للذَّكاء الاصطناعيِّ، وقد يكون أبسط تعريف هو قدرة الآلة على التصرُّف مثل البشر. وتصرُّف الآلة مثل البشر قد لا يكون بعيدًا، حيث إنَّ بعض الاستبانات من خلال موقع بيانات العالم بيَّنت أنَّه بحلول 2060م، قد يكون لدينا ذكاء اصطناعي يحاكي سلوك البشر تمامًا. والعلم لا يزال في المرحلة الأُولَى من هذه الطَّفرة التقنية التي ستعيد صياغة مستقبل البشريَّة. ومع تطور هذا العلم علينا أيضًا بالتطوُّر وزيادة مهارتنا اللازمة التي تواكب هذا العلم، حتَّى يتمَّ توظيفه لخدمة مصلحة البشريَّة. فالتطوُّر مستمر، وله بعض المراحل الأساسيَّة.

باختصار: البداية هي الذكاء الاصطناعي، الذي يعني محاكاة الحاسب الآلي لتصرُّفات البشر وسلوكهم، ومن ثَمَّ تعلُّم الآلة والذي يُعتبر جزءًا من الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم اللوغاريتمات المتقدِّمة والبيانات؛ ممَّا يجعل الآلة تتعلَّم وتتبنَّى، ومن ثمَّ التعلم العميق، والذي يُعتبر جزءًا من تعلُّم الآلة، ولكن على نطاق أعمق وأوسع له علاقة بالشبكات العميقة لمعالجة البيانات والتحليل، ومن ثم نصل إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، والذي يكون قد تعلَّم وتدرَّب وتبنَّى، والذي يستطيع توليد المحتوى والصور، ومعالجة مختلف أنواع البيانات، وحتى كتابة الشفرات المصدريَّة للأنظمة والبرامج.

والآن لنعود للسؤال الأهم، هل الذكاء الاصطناعي نعمة أو نقمة؟ قبل الإجابة، لنذكر مثالًا يسهِّل علينا الإجابة. مَن منَّا -إلى الآنَ- لم يستخدم ChatGpt؟ والذي يُعتبر شيئًا بسيطًا من الذكاء الاصطناعي، والتعريف العلمي له: محوِّل توليدي مدرَّب مسبقًا، فتتحدَّث معه، أو تكتب له، فيجيبك كأنَّك كنت تتحدَّث مع بشر؛ لدرجة أنَّه يتعاطف معك لو قلت له بأنَّك حزين، أو يبتهج لك لو قلت بأنَّك فرحان، على سبيل المثال لنجيب، من يعتبر هذا العلم نعمة؟ المتفائلون بالمستقبل ومن يتخيَّلون الطريقة التي سيساهم هذا العلم في تحسين جودة الحياة. ومن يعتبره نقمة؟ سنجد بأنَّ شركات محرِّكات البحث الكبيرة تحاربه وتحاول أنْ تجاريه، لأنَّه سحب البساط من تحتهم؛ ممَّا يوجِّه المستخدم لعدم استخدام محرِّكات البحث التقليديَّة والذهاب فورًا إلى ChatGpt، وطرح السؤال وتلقي الإجابة فورًا؛ عوضًا عن البحث في قائمة لا حصر لها من المواقع، وناهيك عن الإعلانات والدِّعاية التي تظهر لك دون الحاجة لها.

واخيرًا، هل تتذكَّرون نار الشيطان! فماذا تعتقدون؟ وما هي إجابتكم؟

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store