.. التربية والإعلام، لماذا في بعض الأحيان يقفان على طرفَي نقيض، رغم أنَّ السياسة التعليميَّة والإعلاميَّة تكادان تكونان متَّسقتَين وتنهلان من ذات المشكاة.. فعلى ماذَا يكون الاختلاف؟ وكيف يكون التَّلاقي؟
التربويُّون يخافُون على رسالتهم من الفضاء، ومن نقيض الإعلام، كما كان يقول الدكتور محمد الرشيد وزير التربية والتعليم -رحمه الله-: (لا نريد من الإعلام في المساء أنْ ينقض ما فتلناه في الصَّباح).
والإعلاميُّون يريدون مضامين إعلاميَّة، قد لا يكون أوَّل وأهم معاييرها القيم التربويَّة.. وبين النَّهجين قد يحدث النَّقيض.
وأذكر أنَّ الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- وهو رئيس المجلس الأعلى للإعلام -في ذلك الوقت- كان يؤكِّد أنَّ هناك حلقةً مهمَّةً ومفقودةً بين التربية والإعلام، وكان يرى أنَّ مسؤوليَّة المؤسَّسات التربويَّة والإعلاميَّة متماثلةً..
*****
.. قبل أكثر من أربعين عامًا تقريبًا، نظَّمت وزارة التربية والتعليم ندوتها الشَّهيرة «ماذا يريد التربويُّون من الإعلام؟» وأيضًا بسؤالها المقابل «ماذا يريد الإعلاميُّون من التربويِّين؟».
وكانت الندوة تهدف الى جَسْر الهوَّة بين التربية والإعلام، وتحقيق التَّكامل بينهما في المعطيات، من خلال ما يملكه كل منهما من مشتركات..
*****
.. ولكنَّ الرِّياح لم تجرِ بما يشتهي التربويُّون، وربما بما لا يشتهي الإعلاميُّون، ولذلك فعلى مدار كلِّ هذه السِّنين بقيت الفجوة، وظل السجال المحموم بين الشريكين، وقد قال لي الدكتور محمد عبده يماني -رحمه الله- بعد إحدى المحاضرات التي استضفناه فيها: «ليتَ أهل التربية وأهل الإعلام يتركون هذه التجاذبات، ويتنبَّهون إلى ما هو أعلى»، وأشار بيده إلى الفضاء...!
*****
.. وكأنَّ الدكتور يماني يستشعر خطورة المستقبل القادم من الفضاء على التربية وعلى الحياة، وهو الاستشعار ذاته عند الدكتور الرشيد.
تذكَّرتُ اليوم ذلك (الكم) من الهواجس عند التربويِّين من الفضاء، ونحن نواجه هذه العواصف من (السوشيال ميديا) التي باتت تزلزل الأبواب والجدران، وتهز السقوف فوق الرؤوس..
ومَن يطالع تلك المشاهد المثيرة لأبنائنا وبناتنا، وحتى أطفال صغار، يدرك مدى حجم المخاطر التي نواجهها.. وعلى وزارة التَّعليم مواجهة هذا الواقع الخطير..!
*****
.. المشكلة أنَّ هذه التحوُّلات تحدث داخل عمقنا الاجتماعي، ونحن لا نزال نتقاذف كرة الثلج فيما بيننا.. ثم نجعل المدرسة على حدِّ المقصلة، ونلبسها ثوب الضَّحيَّة والجلَّاد معًا.
.. (يا سادة) إذا فقد البيت هويته التربوية، وتقاصرت المؤسسات الثقافية والإعلامية والمجتمعية دون رسالتها في نشر الوعي وتعزيز القيم، فإن المدرسة وحدها لا تملك عصا موسى، وتحملوها فوق ما تحتمل.. التربية مسؤولية تشاركية ونحن جميعاً -مؤسسات وأفراداً- مسؤولون عنها.