ولدت فكرة الأندية الأدبية والثقافية من رحم الحرص على النهضة بالأدب والثقافة من عرّابها فيصل بن فهد -رحمه الله- وأخرجت من صلبها في مايو 1975 م/ 1395هـ ستة أندية أدبية وثقافية (مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وجدة والطائف وجازان) وبعد النجاح الباهر زاد عدد الأبناء البررة حتى غدوا 16 نادياً ثقافياً أدبياً (الحدود الشمالية - الجوف - تبوك - حائل - القصيم - أبها - الباحة - نجران - المنطقة الشرقية - الأحساء).
كان على رأس كل نادٍ مجموعة تعاهدت على أن تجعل من ناديها منارة للثقافة والأدب، وتوالت الإدارات ولم يكلوا أو يملوا، وتنافست الأندية فيما بينها تنافساً شريفاً جعل الأضواء تتجه نحو النوادي الأدبية والثقافية وأصبح المنتسب للنوادي من علية القوم وينظر إليه بإجلال وإكبار، وكانت والدولة -أيدها الله- ومازالت حريصة على نشر الثقافة والأدب، ورفعت من قدر العلماء والمثقفين والأدباء من تأسيسها حتى يومنا هذا.
ولأن لكل جواد كبوة قد يقوم منها أو يبقى فيها، فقد ضعفت بعض الأندية الثقافية والأدبية بسبب قلة مواردها، أو ابتعاد رجال الأعمال الذين كانوا يؤمنون بجدوى الثقافة والأدب، أو بسبب صراعات بين النخب، أو بسبب التقادم وعدم التجديد والتغني بماضٍ تليد دون البحث عن التطوير، أو بسبب انشغال الرؤساء الأكاديميين بأعمالهم، أو لأسباب أخرى يطول شرحها وتفسيرها.
لا شك أنّ النتاج الأدبي والثقافي كان علامة بارزة في تاريخ المملكة العربية السعودية، وكان نموذجاً من النماذج المضيئة وتجربة رائدة، ونفخر أنّ الأدب السعودي قد تربع على عرش النجاحات والتميز نثراً وشعراً، وشهد لتفوقه ونبوغ أدباء ومثقفي السعودية القاصي والداني والعدو قبل الصديق، وحين بدأ النور يخبو ولم يعد النتاج كما كان سابقاً أوقفت وزارة الثقافة عام 2023 دعمها للأندية الأدبية، وطالبت رؤساء الأندية ضرورة التسجيل في منصة المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، وتفعيل ما تضمنته استراتيجية وزارة الثقافة للقطاع غير الربحي التي تهدف لبناء منظومة متنوعة من المنظمات غير الربحية في مختلف القطاعات الثقافية والأدبية.
وكانت هذه الخطوة محاولة من الوزارة لعلّ هذا الأمر يدفع النوادي للعودة لسابق عهدها، ولكنّ الأمر لم ينجح فهناك من كابر وهناك من حاول وفي هذه الأثناء وكنتيجة طبيعية ظهر الشريك الأدبي عبر جمعية أدب التي يرأسها د. صالح زياد، وجمعية الأدب والأدباء في المدينة التي يرأسها أ. حاتم الرويثي، وأتت جمعية أدب بتجربة فريدة تتماشى مع رؤية المملكة 2030 وعّرابها صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله- وهي فكرة الشريك الأدبي الذي يسعى لنشر الثقافة والأدب في المجتمع عن طريق نقلها من الأندية إلى المقاهي.
هذه التجربة في نظري مازالت فتية ولأ أحبذ الحكم عليها حتى لا أظلمها فقد تنجح وقد تفشل، ولكني أراها محاولة جيدة لا تغني عن النوادي الأدبية والثقافية وأرجو أن تبقى مع تطويرها وجعلها شريكة للنوادي الأدبية والثقافية بدلاً من التنافس غير المجدي بينهما فليس هناك عداوة بينهما، بل إنّ النوادي الأدبية والثقافية سبب نجاح الشريك الأدبي وربما يكون الشريك الأدبي رافداً من روافد النجاح للأندية الأدبية والثقافية لو أحسنوا التعامل بينهم.
ولعل وزارة الثقافة تعيد للنوادي الأدبية والثقافية مكانتها بإعادة الدعم السخي وفق آليات تنافسية وتصنيف تراتبي حسب النتاج الأدبي والثقافي وحسب البرامج المنفذة خلال العام والحراك الأدبي والثقافي والمناشط والمشاركات واستقطاب الداعمين واستغلال المقرّات من قبل الشركات ووجهاء البلد ورجال ونساء الأعمال، على أن يكون هناك تقييم سنوي لكل نادٍ وجوائز تقديرية للأندية، وفتح المجال لمن يرغب في رئاسة النادي من كلا الجنسين، شريطة أن يكون من المهتمين والمتفرغين للنادي حتى لا يُشغل الأكاديميون بالعمل في جهات متعددة، ويتعهد كل نادٍ بإيجاد مدير تنفيذي متفرغ للعمل في النادي ويجب أن يكون ممن عرف عنه التطوير ولا يشترط فيه أن يكون من أهل الأدب والثقافة، ويجب أن تُضم المجلس عشرة أعضاء فاعلين برسوم تدفع لخزينة النوادي للتصويت على القرارات ولا يذهب بالقرار حزب دون آخر، وتتجدد العضويات كل سنة، ويتغير المجلس كل أربع سنوات حسب ملف ترشيحي يقدمه، ويُحلّ بانتقاء الأربع سنوات أو بقرار من الجهة المشرفة وفق آلية معينة عند وجود تقصير أو ملاحظات على الآداء، والأفكار كثيرة ولن يُعدم الآراء الباحثون عن تطوير عمل النوادي الأدبية لو أرادوا ذلك.
إنّ المشكلة ليست في وجود الشريك أو الجمعيات أو النوادي الهواة ولكنّ المشكلة في عدم وجود رؤية واضحة للهدف المنشود للنوادي الثقافية والأدبية، ولذلك يجب على كل المثقفين والأدباء أن يعيدوا لنواديهم الأدبية مكانتها التي كانت عليها وتحسين صورتها وتطويرها بما يكفل لها المنافسة والبقاء، وليس من العيب أن نستلهم من الوزارات الأخرى والجهات المماثلة تجاربها لخصخصة النوادي الثقافية والأدبية أو تقليصها أو دمجها أو توسيع برامجها، فقط كل ما نحتاجه أن يجعل كل مثقف وأديب همّه الأول أن يجعل النادي منارة، كما كان الأوائل حين آمنوا برسالة الثقافة والأدب فحملوا مشعل التنوير، وعلى النوادي الأدبية أن تفتح ذراعيها للجميع دون قيود فالثقافة والأدب ملك الجميع وبه ترتقي الأمم.
همسة الختام:
النوادي الأدبية والثقافية إرث عظيم لكنّ هذا الإرث إذا انفصل عن الحاضر أو تكبّر على المستقبل أو كابر في حلّ مشاكله سيكون قد حفر قبره ووضع لحده.